النوم القهري المعروف أيضًا بالناركوليبسي هو اضطراب عصبي مزمن يؤثر على قدرة الدماغ في التحكم بدورة النوم والاستيقاظ لكن يتم الخلط بينه وبين الأمراض النفسة لتشابه الأعراض.
يتميز هذا الاضطراب بنوبات مفاجئة وغير متوقعة من النعاس الشديد والتي قد تحدث في أوقات غير مناسبة مثل العمل أو أثناء القيادة، غالباً ما يصاحبه أعراض أخرى مثل فقدان السيطرة على العضلات (الجمدة) أو اضطرابات النوم الليلية.
على الرغم من أن النوم القهري قد يبدو اضطراباً نادراً إلا أنه يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نوعية حياة المرضى إذا لم يتم تشخيصه أو معالجته بشكل صحيح، لذا تهدف هذه المقالة إلى استعراض أسباب النوم القهري وأعراضه وتشخيصه وطرق علاجه لتسليط الضوء على أهمية الوعي بهذا الاضطراب وتأثيره على الصحة العامة.
ما هو النوم القهري (Narcolepsy)؟
هو اضطراب في النوم يسبب الرغبة في النوم فجأة أثناء النهار وهو أمر يكاد يكون من المستحيل مقاومته، ورغم أن هذه الحالة ليست شائعة إلا أنها معروفة على نطاق واسع بسبب أعراضها وكيفية حدوثها وهو ليس مرضاً نفسياً؛ بل هو اضطراب عصبي يؤثر على قدرة الدماغ على تنظيم دورات النوم واليقظة بشكل طبيعي.
عادةً ما يمكن علاج هذه الحالة، ولكن لا تزال قادرة على التسبب في اضطرابات شديدة في الحياة والقدرة على العمل والعلاقات الاجتماعية.
ما هي أعراض النوم القهري؟
هناك أربعة أعراض رئيسية لهذا المرض، ولكن معظم الأشخاص المصابين لا يعانون من الأعراض الأربعة مجتمعة، وتشمل هذه الأعراض:
- النعاس المفرط أثناء النهار: يحدث هذا العرض لكل من يعاني من النوم القهري، يصف الأشخاص المصابون هذه الأعراض غالباً بأنها “نوبات نوم”.
- ضعف العضلات المفاجئ: يمكن أن يكون لهذا آثار خفيفة؛ تؤثر على جانب واحد من الجسم أو قد يحدث ضعف عضلي خفيف فقط.
- الهلوسة المرتبطة بالنوم: تحدث هذه الأعراض بعد النوم مباشرةً أو قبل الاستيقاظ مباشرةً وتتضمن هلوسات غير واقعية.
- شلل النوم: عندما يستيقظ المريض يشعر بأنه مشلول وغير قادر على الحركة.
بالإضافة إلى الأعراض الأربعة الرئيسية هناك بعض الأعراض أو السلوكيات الأخرى الشائعة لدى الأشخاص المصابين بهذا المرض. تتضمن بعض السلوكيات الأكثر شيوعاً أو التي يمكن ملاحظتها بسهولة ما يلي:
- الحركات التلقائية: غالباً ما يستطيع الأشخاص المصابون بالنوم القهري النوم؛ ولكن قد يستمرون في تحريك أجزاء من أجسامهم مثل أيديهم.
- فقدان الذاكرة أو النسيان: من الشائع ألا يتذكر الأشخاص المصابون بهذه الحالة ما كانوا يفعلونه قبل النوم مباشرةً.
- نوبات مفاجئة أثناء نوبات النوم: قد يتحدث الشخص المصاب بالنوم القهري فجأة ويقول شيئاً ما (عادةً كلمات أو عبارات لا معنى لها أو لا علاقة لها بما يحدث حوله).
من الذي يتأثر بالنوم القهري؟
يقوم مقدمو الرعاية الصحية عادة بتشخيص النوم القهري لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و50 عاماً، ومع ذلك فمن المرجح أن يظهر لدى الشباب في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينيات وتزداد احتمالية الإصابة عند الذكور.
ما مدى شيوع النوم القهري؟
بالعموم هو مرض غير شائع، وتظهر الأبحاث الحالية أنه يؤثر على 25 إلى 50 شخص من كل 100000 شخص في جميع أنحاء العالم.
كيف يؤثر النوم القهري على الجسد؟
لفهم هذا المرض من المفيد معرفة المزيد عن طريقة عمل دورة النوم البشرية، حيث تتضمن هذه الدورة المراحل التالية:
المرحلة 1: النوم الخفيف، تبدأ هذه المرحلة القصيرة بعد النوم مباشرة وتمثل حوالي 5٪ من إجمالي وقت النوم.
المرحلة 2: النوم العميق، هذه المرحلة أعمق وتشكل حوالي 45% إلى 50% من إجمالي وقت النوم (يرتفع هذا الرقم مع التقدم في العمر).
المرحلة 3: نوم الموجة البطيئة، تشكل هذه المرحلة حوالي 25% من وقت النوم (ينخفض هذا الرقم مع تقدم العمر)، ومن الصعب جداً إيقاظ شخص ما في نوم المرحلة الثالثة؛ والاستيقاظ مباشرة منها عادةً ما يسبب “خمول النوم” وحالة من “الضباب العقلي” والتفكير البطيء، وهذه هي أيضاً المرحلة التي يحدث فيها عادةً المشي أثناء النوم أو التحدث أثناء النوم.
نوم حركة العين السريعة REM: هذه المرحلة هي التي تحدث فيها الأحلام.
يدخل الشخص الطبيعي عادةً المرحلة 1 عندما يغفو ثم ينتقل إلى المرحلتين 2 و3 ويتنقل بين هذه المراحل ثم يدخل في النهاية في نوم حركة العين السريعة ويبدأ في الحلم، بعد دورة حركة العين السريعة الأولى تبدأ دورة جديدة ويعود الشخص إلى المرحلة 1 أو 2 وتستغرق الدورة الواحدة عادة حوالي 90 دقيقة قبل أن تبدأ دورة أخرى؛ يمر معظم الأشخاص بأربع أو خمس دورات في الليلة (على افتراض حصولهم على ثماني ساعات كاملة).
أما عند مرضى النوم القهري فإن دورة النوم لديهم لا تحدث بهذه الطريقة، بدلاً من ذلك يدخل المريض مرحلة حركة العين السريعة بعد وقت قصير من النوم وفي بقية الليل سينام فقط لفترات قصيرة وغالباً دون المرور بدورة النوم النموذجية.
وفي هذا المرض وبغض النظر عن مدى جودة النوم في الليل، سيشعر المريض بالنعاس الشديد أثناء النهار ومن المستحيل عادةً مقاومة الرغبة في النوم، ولكن فترات النوم هذه تكون قصيرة أيضاً (حوالي 15 إلى 30 دقيقة) أثناء النهار.
ما هي أسباب النوم العميق؟
تعتمد أسباب المرض على نوع النوم العميق نفسه، ومع ذلك فإن جميعها مرتبطة بمنطقة تحت المهاد وهي منطقة محددة في الدماغ تساعد في تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ.
النوم العميق من النوع الأول
في عام 1998، اكتشف الباحثون الأوركسينات (الهيبوكريتين )؛ وهو نوع من الجزيئات الكيميائية التي تنتجها وتستخدمها بعض الخلايا العصبية (خلايا الدماغ) للتواصل، توجد الخلايا العصبية التي تستخدم الأوركسينات في جزء من الدماغ يسمى تحت المهاد وهذه الخلايا العصبية هي المفتاح للبقاء في حالة اليقظة، وتبين أن مستويات الأوركسين في السائل النخاعي منخفضة للغاية أو غير قابلة للاكتشاف لدى الأشخاص المصابين بالنوم العميق وهذا يعني أن الخلايا التي تصنع الأوركسين إما توقفت عن العمل أو أن شيئاً ما دمرها.
وفقاً لمزيد من الأبحاث فإن السبب الأكثر ترجيحاً لتوقف هذه الخلايا العصبية عن العمل هو اضطراب المناعة الذاتية، حيث يعاني حوالي 90% إلى 95% من الأشخاص المصابين بالنوم العميق من النوع الأول من طفرة جينية محددة تؤثر على جهاز المناعة لديهم.
هناك أيضًا بعض الأدلة على أن هذه الحالة تنتقل في العائلات، حيث أن وجود قريب من الدرجة الأولى (أحد الوالدين أو الأشقاء أو الأطفال) مصاب بالنوم العميق يعرضك لخطر أكبر للإصابة به.
يمكن أن يصاب الأشخاص أيضاً بالنوم العميق من النوع الأول بعد بعض الالتهابات الفيروسية والبكتيرية؛ وخاصة سلالات إنفلونزا H1N1 والبكتيريا مثل تلك التي تسبب التهاب الحلق، يشتبه الخبراء في أن ذلك يرجع إلى أن العدوى يمكن أن تؤدي أحياناً إلى حدوث تغييرات وخلل في جهاز المناعة.
النوم العميق من النوع 2
بينما يعرف الخبراء الكثير عن سبب حدوث النوم العميق من النوع 1، فإن هذا ليس هو الحال مع النوع 2.
لا يزال الخبراء لا يفهمون تماماً سبب حدوث هذا النوع لكنهم يشتبهون في حدوثه لأسباب مماثلة، وتشمل هذه فقداناً أقل حدة للخلايا العصبية التي تستخدم الأوركسين أو مشكلة في كيفية انتقال الأوركسين في الدماغ.
في حالات نادرة، يمكن أن يحدث المرض بسبب تلف منطقة تحت المهاد بسبب إصابات الرأس (مثل الارتجاج وإصابات الدماغ الرضحية) والسكتات الدماغية وأورام المخ وغيرها من الحالات.
هل يختلط النوم القهري على انه حالة نفسية؟
نعم قد يتم الخلط بين هذا المرض وبعض الحالات النفسية خاصةً في المراحل الأولى من ظهوره لأن بعض الأعراض تتشابه مع أعراض الاضطرابات النفسية ومن أسباب أسباب الخلط:
- التعب المزمن: النعاس المفرط ونوبات النوم قد يعتقد خطأً أنها ناتجة عن الاكتئاب أو الإرهاق النفسي.
- الشلل النومي والهلوسات: قد يتم تفسير هذه الأعراض على أنها نوبات قلق أو كوابيس أو حتى أعراض اضطراب نفسي.
- تأثير الحالة على الحياة اليومية: تأثير النوم القهري على الأداء اليومي قد يؤدي إلى ظهور مشاكل نفسية مثل القلق أو الاكتئاب، مما يعزز الاعتقاد بأن المشكلة نفسية.
تشخيص النوم القهري
يمكن لمقدم الرعاية الصحية أن يشك في إصابة المريض بهذه الحالة بناءً على الأعراض التي يعاني منها، ومع ذلك فإن هذا المرض يشترك في الأعراض مع العديد من الحالات الأخرى المرتبطة بالدماغ والنوم ولهذا السبب فإن الطريقة الوحيدة للتشخيص بشكل قاطع هي إجراء اختبارات تشخيصية متخصصة.
قبل إجراء معظم الاختبارات الرئيسية سيتأكد مقدم الرعاية الصحية أولاً من حصول المريض على قسط كافٍ من النوم وعادةً ما يتضمن ذلك طرق تتبع بسيطة لأنماط النوم والاستيقاظ، مثل قياس النشاط الحركي كما يتأكد الطبيب من عدم وجود اضطرابات نفسية أساسية تفسر الأعراض.
اختبارات تشخيص النوم القهري
- دراسة النوم (تخطيط النوم).
- اختبار زمن النوم المتعدد (MSLT).
- اختبار الحفاظ على اليقظة.
- البزل القطني.
علاج النوم القهري
يمكن علاج هذا المرض، ولكن لا يمكن الشفاء منه، تبدأ العلاجات عادةً بالأدوية، ولكن التغييرات في الروتين اليومي ونمط الحياة يمكن أن تساعد أيضاً.
بشكل عام، يستجيب المرض جيداً للعلاج، مما يساعد في الحد من الاضطرابات التي يمكن أن تسببها الأعراض.
الأدوية هي الطريقة الرئيسية لعلاج المرض؛ تستهدف معظم الأدوية النعاس المفرط أثناء النهار، ولكن بعضها يستهدف أعراضاً أخرى أيضاً. تشمل الأدوية المحتملة لهذه الحالة:
- أدوية اليقظة: هذه هي عادةً خط العلاج الأول، تشمل أمثلة هذه الأدوية مودافينيل وأرمودافينيل.
- الأمفيتامينات والمنشطات الشبيهة بالأمفيتامين.
- مضادات الاكتئاب: أدوية مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورأدرينالين (SNRIs) مثل فينلافاكسين، أو مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) مثل فلوكسيتين أو مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل كلوميبرامين أو بروتريبتيلين.
- أوكسيبات الصوديوم: يمكن أن يساعدك هذا الدواء على النوم ويقلل أيضاً من تكرار حدوث نوبات المرض.
كيف يمكن تقليل مخاطر الإصابة بالنوم القهري أو منع الإصابة به؟
يحدث هذا المرض بشكل غير متوقع في جميع الحالات تقريباً، ولهذا السبب، من المستحيل تقليل خطر الإصابة به أو منع حدوثه.
المراجع
Kornum BR, Knudsen S, Ollila HM, et al. Narcolepsy
National Institute of Neurological Disorders and Stroke | ninds.nih.gov. Narcolepsy Fact Sheet