متلازمة الشخصية الحدية هي اضطراب نفسي معقد يميز الأشخاص الذين يعانون منه بتقلبات شديدة في المزاج والعلاقات الشخصية والتصور الذاتي.
يُصنف هذا الاضطراب ضمن فئة الاضطرابات الشخصية، ويُعرف أيضاً باسم “اضطراب الشخصية الحدية”. يتسم المصابون بهذه المتلازمة بسمات مثل الشعور المستمر بعدم الاستقرار العاطفي والخوف المفرط من الهجر وصعوبة في الحفاظ على علاقات مستقرة.
سنتناول في هذه المقالة خصائص هذا الاضطراب مع الإشارة لأسبابه المحتملة وطرق التشخيص والعلاج، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها المرضى والمختصون في التعامل معه.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية (BPD)؟
اضطراب الشخصية الحدية أو مرض BPD هو حالة صحية عقلية تتميز بتقلبات مزاجية شديدة وعدم استقرار في العلاقات الشخصية والاندفاع.
يعاني الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب من خوف شديد من الهجر ويواجهون صعوبة في تنظيم عواطفهم وخاصة الغضب، كما يميلون إلى إظهار سلوكيات اندفاعية وخطيرة مثل القيادة المتهورة وتهديد إيذاء النفس؛ كل هذه السلوكيات تجعل من الصعب عليهم الحفاظ على العلاقات.
لا يعرف العديد من الأشخاص الذين يعيشون مع هذا الاضطراب أنهم مصابون به وقد لا يدركون أن هناك طريقة أكثر صحة للتصرف والتواصل مع الآخرين.
ما هو الفرق بين اضطراب الشخصية الحدية والاضطراب ثنائي القطب؟
في حين يتميز الاضطراب ثنائي القطب أيضاً بتقلبات واسعة في الحالة المزاجية والسلوك؛ إلا أنه يختلف عن اضطراب الشخصية الحدية (BPD) حيث في الأخير يتغير المزاج والسلوك بسرعة استجابةً للتوتر الشديد وخاصةً عند التعامل مع أشخاص آخرين بينما في الاضطراب ثنائي القطب تكون الحالة المزاجية أكثر استدامة وأقل تفاعلية.
يعاني الأشخاص المصابون بالاضطراب ثنائي القطب أيضاً من تغيرات كبيرة في الطاقة والنشاط، على عكس المصابين باضطراب الشخصية الحدية.
من الذي يؤثر عليه اضطراب الشخصية الحدية؟
تبدأ معظم اضطرابات الشخصية في سنوات المراهقة عندما تتطور شخصية الفرد وينضج، ونتيجة لذلك فإن جميع الأشخاص الذين تم تشخيصهم بهذا الاضطراب تقريباً هم فوق سن 18 عاماً وغالبيتهم من الإناث.
على الرغم من أن أي شخص يمكن أن يصاب بهذا المرض إلا أنه أكثر شيوعاً عند وجود تاريخ عائلي للمرض، كما أن الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية عقلية أخرى مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات الأكل معرضون أيضاً لخطر أكبر.
ما هي أعراض اضطراب الشخصية الحدية؟
تظهر علامات وأعراض الاضطراب عادةً في أواخر سنوات المراهقة أو أوائل مرحلة البلوغ، يمكن لحدث مزعج أو تجربة مرهقة أن تؤدي إلى ظهور الأعراض أو تفاقمها وبمرور الوقت تقل الأعراض عادةً وقد تختفي تماماً.
يمكن أن تتراوح الأعراض من أعراض يمكن السيطرة عليها إلى أعراض شديدة للغاية ويمكن أن تشمل أي مجموعة من الأعراض التالية:
- الخوف من الهجر: من الشائع أن يشعر الأشخاص المصابون بالمرض بعدم الارتياح عند الشعور بالوحدة، ،عندما يشعر الأشخاص المصابون بأنهم مهجورون أو مهملون فإنهم يشعرون بخوف شديد أو غضب لذا قد يتتبعون مكان وجود أحبائهم أو يمنعونهم من المغادرة أو قد يدفعون الناس بعيداً قبل الاقتراب كثيراً لتجنب الرفض.
- العلاقات غير المستقرة والمكثفة: يجد الأشخاص المصابون صعوبة في الحفاظ على علاقات شخصية صحية لأنهم يميلون إلى تغيير وجهات نظرهم تجاه الآخرين بشكل مفاجئ ودراماتيكي، حيث يمكنهم الانتقال من المثالية إلى التقليل من قيمة الآخرين بسرعة والعكس صحيح.
- صورة ذاتية غير مستقرة: غالباً ما يكون لدى الأشخاص المصابين صورة ذاتية مشوهة أو غير واضحة وغالباً ما يشعرون بالذنب أو الخجل ويرون أنفسهم “سيئين”.
- التغيرات السريعة في المزاج: قد يعاني الأشخاص المصابون من تغيرات مفاجئة في مشاعرهم تجاه الآخرين وأنفسهم والعالم من حولهم، تتغير المشاعر غير العقلانية – بما في ذلك الغضب الذي لا يمكن السيطرة عليه والخوف والقلق والكراهية والحزن والحب – بشكل متكرر وفجأة وتستمر هذه التقلبات عادةً لبضع ساعات فقط ونادراً ما تستمر لأكثر من بضعة أيام.
- السلوك المتهور والخطير: نوبات القيادة المتهورة والقتال والمقامرة وتعاطي المخدرات والإفراط في تناول الطعام و/أو النشاط الجنسي غير الآمن شائعة بين الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب.
- إيذاء النفس المتكرر أو السلوك الانتحاري: قد يجرح الأشخاص المصابون أو يحرقون أو يؤذون أنفسهم (إيذاء النفس) أو يهددون بذلك وقد يكون لديهم أيضاً أفكار انتحارية.
- مشاعر الفراغ المستمرة: يشعر العديد من الأشخاص المصابين بالحزن أو الملل أو عدم الرضا أو “الفراغ”، كما أن مشاعر انعدام القيمة وكراهية الذات شائعة أيضاً.
- مشاكل إدارة الغضب: يواجه الأشخاص المصابون صعوبة في التحكم في غضبهم وغالباً ما يصبحون غاضبين بشدة، قد يعبرون عن غضبهم بالسخرية اللاذعة أو النوبات الغاضبة لكن غالباً ما تتبع هذه النوبات الخجل والذنب.
- أفكار جنون العظمة المؤقتة: قد تنجم النوبات الانفصالية والأفكار الجنونية وأحياناً الهلوسة عن الإجهاد الشديد.
ما هي أسباب اضطراب الشخصية الحدية؟
يعتقد مقدمو الرعاية الصحية أن هذا الاضطراب ينتج عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك:
- إساءة معاملة الأطفال والصدمات: تعرض ما يصل إلى 70٪ من الأشخاص المصابين للإساءة الجنسية أو العاطفية أو الجسدية عندما كانوا أطفالاً، كما أن الانفصال الأمومي وضعف الارتباط الأمومي واضطراب تعاطي المواد بين الوالدين من الأمور المرتبطة بالاضطراب.
- الوراثة: تظهر الدراسات أنه تزداد احتمالية الإصابة بهذا الاضطراب عند وجود تاريخ عائلي للمرض.
- تغيرات الدماغ: عند الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب لا تتواصل أجزاء الدماغ التي تتحكم في المشاعر والسلوك بشكل صحيح.
تشخيص اضطراب الشخصية الحدية
تستمر الشخصية في التطور طوال فترة نمو الطفل والمراهق، ولهذا السبب لا يقوم مقدمو الرعاية الصحية عادةً بتشخيص المرض حتى بعد سن 18 عاماً.
في بعض الأحيان قد يتم تشخيص شخص أصغر من 18 عاماً بالاضطراب إذا كانت الأعراض كبيرة واستمرت لمدة عام على الأقل.
يمكن لمتخصص الصحة العقلية تشخيص اضطراب الشخصية الحدية بناءً على المعايير التشخيصية لاضطرابات الشخصية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية للجمعية الأمريكية للطب النفسي.
علاج اضطراب الشخصية الحدية
يتطلب العلاج الفعال الوقت والصبر والالتزام، قد تشمل الخطة العلاج النفسي (العلاج بالكلام) أو الأدوية أو كليهما.
قد يوصي مقدم الرعاية الصحية بإقامة قصيرة في المستشفى إذا كان المريض معرضاً لخطر إيذاء نفسه أو الآخرين.
العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الحدية
العلاج النفسي (العلاج بالكلام) هو العلاج المفضل، والهدف من العلاج هو مساعدة المريض على اكتشاف الدوافع والمخاوف المرتبطة بأفكاره وسلوكه ومساعدته على تعلم كيفية التعامل مع الآخرين بشكل أكثر إيجابية.
أنواع العلاج التي يمكن أن تساعد في العلاج تشمل:
- العلاج السلوكي الجدلي :(DBT)تم تطوير هذا النوع من العلاج خصيصاً للأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب، يركز العلاج السلوكي الجدلي على مساعدة المريض على قبول حقيقة حياته وسلوكياته، بالإضافة إلى مساعدته على تعلم كيفية تغيير حياته، بما في ذلك السلوكيات غير المفيدة
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): هذا نوع من العلاج منظم وموجه نحو الهدف، يساعد على إلقاء نظرة فاحصة على الأفكار والعواطف وكيفية تأثير الأفكار على الأفعال.
- العلاج الجماعي: هذا نوع من العلاج النفسي حيث يجتمع مجموعة من الأشخاص لوصف ومناقشة مشاكلهم معاً تحت إشراف معالج أو طبيب نفساني.
أدوية لاضطراب الشخصية الحدية
نظراً لأن فوائد الأدوية الموصوفة غير واضحة، فإن مقدمي الرعاية الصحية لا يصفون الأدوية عادةً كعلاج رئيسي للاضطراب.
ولكن في بعض الحالات قد يوصي الطبيب النفسي بأدوية لعلاج أعراض معينة أو حالات صحية عقلية مصاحبة، حيث يمكن للأدوية علاج القلق والاكتئاب وتنظيم تقلبات المزاج أو المساعدة في السيطرة على السلوك الاندفاعي.
هل يمكن الوقاية من اضطراب الشخصية الحدية؟
لسوء الحظ لا توجد طريقة للوقاية من الاضطراب، لكن يساعد الدعم الاجتماعي والنفسي على تقديم العلاج المبكر وتحسين نمط الحياة.
المراجع
Chapman J, Jamil RT, Fleisher C. Borderline Personality Disorder
Merck Manual: Professional Version. Borderline Personality Disorder (BPD)
National Alliance on Mental Illness. Borderline Personality Disorder
National Institute of Mental Health. Borderline Personality Disorder