يعتبر الطب النفسي فرعاً من فروع الطب المختص بتشخيص الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية مع تقديم العلاج المناسب وطرق الوقاية من النكس، يهدف إلى تحسين الصحة النفسية والعقلية للأفراد ومعالجة المشاكل والاضطرابات التي تؤثر على السلوك والتفكير والمشاعر.
تشمل الأمراض النفسية مجموعة واسعة من الاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والفصام والاضطراب ثنائي القطب ومجموعة متنوعة من الاضطرابات التي تؤثر على أداء الفرد اليومي وسلوكياته وتسبب صعوبة في التكيف مع الحياة الاجتماعية والمهنية.
تاريخ الطب النفسي
بدأ الطب النفسي منذ العصور القديمة حيث كانت المفاهيم حول الاضطرابات النفسية والصحة العقلية ترتبط باعتقادات في القوى الروحية أو العقوبات الإلهية.
في العصور القديمة كان علاج المشاكل النفسية يعتمد على طقوس دينية أو خرافات ويعتقد البعض أن المرض العقلي ناجم عن الشياطين أو الأرواح الشريرة، ومع تطور الفكر العلمي بدأ الباحثون في تفسير هذه المشاكل النفسية بطريقة علمية أكثر.
في القرن التاسع عشر شهد الطب النفسي تطوراً ملحوظاً مع تطور الطب والمؤسسات والمستشفيات التي تخصصت في علاج المرضى النفسيين والبحث في أسباب مرضهم لتقديم العلاج المناسب لكل حالة، ومن هنا بدأ استخدام الأدوية والعقاقير لعلاج بعض الحالات النفسية.
أحد أبرز التطورات التي شهدها الطب النفسي في تلك الفترة كان نظرية التحليل النفسي لمطورها سيغموند فرويد (Sigmund Freud) الباحث في علم النفس، حيث تبنى فرويد نظرية أن الاضطرابات النفسية قد تكون نتيجة لصراعات في العقل الباطن من دون وعي وبالتالي فإن علاج هذه الصراعات والسيطرة عليها يساعد في علاج الاضطرابات النفسية والسلوكية.
أشهر الأطباء في تاريخ الطب النفسي
- سيغموند فرويد (Sigmund Freud):
يعتبر فرويد الأب المؤسس للتحليل النفسي، حيث قدّم فرويد مفهوم العقل الباطن الذي يشمل الذكريات والرغبات المكبوتة التي تؤثر على سلوك الإنسان.
تبنى فرويد نظرية أن الاضطرابات النفسية تنشأ من صراعات من العقل الباطن دون وعي بين الأجزاء المختلفة من النفس البشرية (الهو والأنا والأنا العليا)، وكان لأفكاره أثر مهم وعميق في الطب النفسي والعلاج النفسي على مر العصور.
- كارل يونغ (Carl Jung):
كان يونغ تلميذاً لفرويد في بداية مسيرته ولكنه طور أفكاره بشكل مستقل ليؤسس “علم النفس التحليلي”.
ركز يونغ على مفهوم “اللاوعي الجمعي” وهو اعتقاد بأن البشر يشتركون في مجموعة من الخبرات والمفاهيم التي تتجاوز الخبرات الشخصية وكان له دور مهم في تطوير مفاهيم مثل “الأنماط النفسية” و”التفسير الرمزي للأحلام”.
- إميل كراپلين (Emil Kraepelin):
يعد كراپلين من الأوائل الذين قدموا تصنيفاً علمياً للاضطرابات النفسية، حيث قام بتحديد مجموعة من الأمراض النفسية مثل الفصام (التي كانت تُسمى في ذلك الوقت “الجنون”) والاضطراب الثنائي القطب وكان هذا نقلة نوعية في مفهوم الأمراض النفسية وتصنيفها.
يعد كراپلين مؤسساً لنظام التصنيف الحديث الذي أثر في تشخيص الأمراض النفسية اليوم.
- جان بياجيه (Jean Piaget):
كان بياجيه عالم نفس معروف بنظريته في التطور المعرفي ورغم أن تخصصه كان في علم النفس التنموي إلا أن تأثيره على الطب النفسي كان كبيراً في فهم تطور التفكير وتباين السلوك والذكاء لدى الأفراد، ساعدت أفكاره في تشكيل مفاهيم جديدة حول النمو العقلي والتكيف مع العالم الخارجي.
- فرانسيس ألونزو هاريس (Frances Alonso Harris):
هو أحد الأطباء النفسيين في القرن العشرين الذين ساهموا في تطور العلاج النفسي السلوكي، قدم العديد من الأساليب العلاجيّة مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) الذي يعتبر أداة فعالة في معالجة حالات الاكتئاب والقلق.
ما هي أنواع الطب النفسي؟
يوجد أنواع متعددة للطب النفسي ويتم التصنيف بناءً على نوع الاضطراب النفسي أو العقلي الذي يعاني منه المريض وهذه أبرز أنواع الطب النفسي:
-
الطب النفسي العام (General Psychiatry):
يضم مجموعة متنوعة من الأمراض والاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والفصام واضطراب الشخصية والاضطرابات المزاجية وكيف يتم تشخيصها وعلاجها ومنع النكس.
يشمل هذا التخصص جميع الأساليب العلاجية من الأدوية والعلاج النفسي.
-
الطب النفسي للأطفال والمراهقين (Child and Adolescent Psychiatry):
يُعنى هذا النوع بتشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية لدى الأطفال والمراهقين، حيث يتعامل مع حالات مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD) والاكتئاب والقلق واضطرابات السلوك والتوحد.
يتم التركيز في هذا النوع على تطور الطفل وسلوكياته والضغوط التي يمكن أن يواجهها أثناء مراحل النمو ويكشف ارتباط هذه المراحل بالأمراض النفسية.
-
الطب النفسي للمسنين (Geriatric Psychiatry):
يُعنى بالاضطرابات النفسية التي تؤثر على كبار السن مثل الخرف ومرض الألزهايمر والاكتئاب المرتبط بتقدم العمر واضطرابات النوم، حيث يركز على تحسين نوعية الحياة للمسنين وتقديم الدعم النفسي لهم ولأسرهم.
-
الطب النفسي العصبي (Neuropsychiatry):
يُعنى بالتداخل بين الطب النفسي والطب العصبي (الأعصاب) ويختص بالعلاج النفسي للأشخاص الذين يعانون من أمراض واضطرابات ناتجة عن خلل في الجهاز العصبي المركزي، حيث يشمل علاج اضطرابات مثل السكتات الدماغية والتصلب المتعدد وإصابات الدماغ.
-
الطب النفسي للطب الشرعي (Forensic Psychiatry):
يركز هذا النوع على العلاقة بين الطب النفسي والقانون، حيث يختص بتقييم الحالة النفسية للأفراد المتهمين بجرائم لفهم ما إذا كانوا في حالة عقلية أو يعانون من أمراض نفسية تؤثر على مسؤوليتهم الجنائية، كما يشمل التقييم النفسي للمتورطين في الحوادث الجنائية أو في قضايا الطلاق.
-
الطب النفسي للاضطرابات النفسية الشديدة (Psychiatric Disorders):
يتضمن هذا النوع علاج الحالات النفسية التي تتطلب رعاية متخصصة مثل الفصام والاضطراب الثنائي القطب والاضطرابات الذهانية، وغالباً ما يحتاج المريض لمزيج من العلاج الدوائي والرعاية النفسية المستمرة.
-
الطب النفسي العلاجي (Therapeutic Psychiatry):
يركز هذا النوع على العلاجات النفسية غير الدوائية مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) والعلاج بالحديث، ويشمل أيضاً العلاج باستخدام تقنيات مثل التحليل النفسي والعلاج الجماعي وخاصةً لأمراض مثل القلق والوساوس القهرية والاكتئاب.
-
الطب النفسي للأمراض المزمنة (Psychiatric Care for Chronic Illnesses):
يتضمن هذا النوع الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السرطان أو الأمراض القلبية، حيث يهدف إلى التخفيف من القلق والاكتئاب والاضطرابات النفسية والسلوكية التي قد تنشأ نتيجة للأمراض الطويلة الأمد.
-
الطب النفسي للاضطرابات الجنسية (Sexual Psychiatry):
يهدف هذا النوع إلى تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية المرتبطة بالجنس مثل اضطرابات الهوية الجنسية واضطرابات الرغبة الجنسية وفوبيا الجنس.
-
الطب النفسي والعلاج بالصدمات (Trauma Psychiatry):
يتعامل هذا النوع مع الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الصدمات النفسية أو تجارب مؤلمة مثل العنف والحروب أو حوادث السيارات، حيث يشمل علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والآثار النفسية الناتجة عن الصدمات والحوادث المؤلمة.
-
الطب النفسي الوقائي (Preventive Psychiatry):
يركز هذا النوع على الوقاية من الاضطرابات النفسية من خلال التعرف المبكر على الأعراض والتدخلات العلاجية المبكرة.
يتضمن برامج التوعية بالصحة النفسية والوقاية من الانتحار وتعزيز الاستقرار النفسي.
-
الطب النفسي الرياضي (Sports Psychiatry):
يتخصص هذا النوع في علاج الاضطرابات النفسية المتعلقة بالرياضة مثل القلق والاكتئاب، حيث يعمل على تحسين الصحة النفسية للرياضيين من خلال تقديم الدعم النفسي والعلاج للتعامل مع الضغوط المرتبطة بالمنافسات الرياضية والتشجيع المستمر.
ما هو العلاج النفسي وأدواته؟
يتضمن الطب النفسي مجموعة من الأدوات والطرق العلاجية المتنوعة التي تتناسب مع نوع الاضطراب وحالة المريض، ومن بين هذه الطرق:
- العلاج النفسي (Psychotherapy): ويتضمن العلاج المعرفي السلوكي والتحليل النفسي والعلاج الأسري والعلاج الجماعي.
- الأدوية النفسية: تشمل مضادات الاكتئاب ومحسنات المزاج ومضادات الذهان والأدوية التي تسيطر على القلق.
- العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): يُستخدم هذا العلاج في الحالات الشديدة من الاكتئاب والفصام عندما لا تكون العلاجات الأخرى فعّالة.
- العلاج بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS): وهو نوع من العلاج الذي يستخدم الموجات المغناطيسية لتحفيز أجزاء من الدماغ، ويستخدم لعلاج أمراض مثل الاكتئاب.
يعتبر الطب النسي علم واسع ويشمل عدة تخصصات تتعلق بالصحة النفسية وعلاج الاضطرابات النفسية والسلوكية التي قد تؤثر على حياة الأفراد، وهو علم مرّ بتطورات كبيرة على مر العصور وما زال يتطور حتى الآن في محاولات مستمرة لفهم السلوك البشري والاضطرابات المتعلقة بالنفسية.
المراجع
Psychiatry.org website. What Is Psychiatry?
Kimberly Holland. Mental Health Basics: Types of Mental Illness, Diagnosis, Treatment, and More
.