الطفولة هي المرحلة التي يُفترض أن تنبض بالبراءة والبساطة حيث يعيش الأطفال بعيداً عن هموم الحياة وتعقيداتها، ومع ذلك فإن بعض الأطفال قد يعانون من مشاعر قلق مفرط يمكن أن يؤثر على صحتهم النفسية والجسدية. يُعد القلق عند الأطفال ظاهرة شائعة لكن غالباً ما يُساء فهمها أو يُتجاهل تأثيرها العميق على نموهم وتطورهم، يتسم القلق عند الأطفال بأعراض متنوعة؛ قد تظهر في صورة مخاوف مفرطة أو صعوبة في النوم أو تجنب مواقف معينة.
وعلى الرغم من أن القلق يُعتبر جزءاً طبيعياً من مراحل النمو؛ إلا أن تصاعده إلى درجة تؤثر على أداء الطفل اليومي يستدعي اهتماماً خاصاً، لذا سنسلط الضوء في هذا المقال على ماهية القلق عند الأطفال وأسبابه المحتملة مع توضيح كيفية التعرف على أعراضه بالإضافة إلى استعراض أهم الطرق التشخيصية والعلاجية التي يمكن أن تسهم في تحسين جودة حياة الطفل وتمكينه من التغلب على هذا التحدي النفسي.
ما هو مفهوم القلق عند الأطفال؟
الخوف هو رد فعل طبيعي للخطر أو التهديد أما القلق هو رد فعل لتهديد محتمل، عادةً ما تكون هذه المخاوف ومشاعر القلق قصيرة الأجل وتظهر أن الأطفال يتعلمون حل المشاكل بأنفسهم، كما يمكن للوالدين ومقدمي الرعاية مساعدة الأطفال على تعلم فهم مخاوفهم وقلقهم والتغلب عليهم.
ما يصل إلى 1 من كل 5 أطفال سوف يصابون باضطرابات القلق، تختلف اضطرابات القلق في مرحلة الطفولة عن الخوف أو القلق الطبيعي لأنها تنطوي على تجنب أكثر تطرفاً وردود أفعال عاطفية أكبر أو تستمر لفترة أطول من المتوقع.
غالباً ما يعاني الأطفال المصابون باضطرابات القلق من نوبات عاطفية مثل البكاء أو نوبات الغضب، وقد يظهرون أيضاً الكثير من التجنب كما قد يحاولون الهروب والاختباء و”البحث عن الخطر” معظم الوقت، بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يعاني الأطفال من أعراض جسدية مثل آلام المعدة والصداع والغثيان والقيء وضيق التنفس أو مشاكل النوم.
ما هي أنواع القلق عند الأطفال؟
هناك عدة أنواع مختلفة من القلق عند الأطفال:
- اضطراب قلق الانفصال:
قلق الانفصال هو مرحلة طبيعية ومهمة من مراحل النمو المبكر تبدأ عند معظم الأطفال عندما تتراوح أعمارهم بين 8 إلى 12 شهراً، مع قلق الانفصال الطبيعي قد يخاف الطفل من الغرباء وعادةً ما يتحسن قلق الانفصال بحلول الوقت الذي يدخل فيه الأطفال مرحلة ما قبل المدرسة.
- الرهاب المحدد:
يحمينا الخوف من الخطر لذلك من المتوقع أن يكون لدى الأطفال قدر معين من الخوف، قد يخاف الطفل من شيء معين مثل العواصف أو المهرجين أو أي مجموعة متنوعة من الأشياء، لكن الرهاب المحدد هو مخاوف شديدة لا تتناسب مع التهديد الفعلي للخطر.
- اضطراب القلق الاجتماعي:
هو خوف شديد من الحكم على الطفل أو رفضه في المواقف الاجتماعية، حيث قد يتجنب الطفل التحدث أمام الجمهور أو الأداء أو قد يكون غير مرتاح لدرجة أنه يحاول تجنب التفاعل مع الآخرين في المدرسة أو في أماكن مألوفة أخرى أو يجد صعوبة في التحدث إلى أشخاص جدد وقد يتجنب المواقف الاجتماعية تماماً.
- اضطراب القلق العام:
القلق العام هو قلق وخوف مفرط بشأن مجموعة من الأشياء المختلفة التي تحدث في الحياة اليومية كما قد يقلق الطفل أيضاً بشأن المستقبل أكثر من الأطفال الآخرين في سنه.
- اضطراب الهلع:
يعاني الأطفال المصابون باضطراب الهلع من أوقات يشعرون فيها بالخوف الشديد والقلق جنباً إلى جنب مع الأعراض الجسدية مثل تسارع ضربات القلب (خفقان القلب) والدوار أو قد يشعرون وكأنهم لا يستطيعون التنفس (ضيق التنفس)، يمكن أن تحدث نوبات الهلع هذه دون سابق إنذار وتميل إلى الزوال في غضون دقائق إلى ساعات.
ما مدى شيوع القلق عند الأطفال؟
تعد هذه الاضطرابات شائعة إلى حد ما عند الأطفال، تؤثر على حوالي 15٪ إلى 20٪ من الأطفال والمراهقين ويعاني ما يقرب من 1 من كل 3 مراهقين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً من القلق، كما أنه أكثر شيوعاً بين الإناث.
ما هي أعراض القلق عند الأطفال؟
قد تبدو تربية الأبناء وكأنها لعبة تخمين، يستخدم بعض الأطفال الكلمات للإخبار عن قلقهم وقد يقولون شيئاً مثل: “أخشى الذهاب إلى المدرسة لأنني قلق من أنني لن أراك مرة أخرى” وقد لا يعرف الأطفال الآخرون كيف يشرحون مشاعرهم.
من بعض علامات القلق التي قد يظهرها الأطفال:
- يبكون أكثر من الأطفال الآخرين في سنهم.
- يقولون إنهم لا يشعرون بأنهم على ما يرام، قد يشكون من اضطراب في المعدة أو آلام في العضلات أو صداع.
- يواجهون صعوبة في النوم أو يستيقظون من الكوابيس أو غير قادرين على النوم بمفردهم.
- يجدون صعوبة في الاسترخاء أو الجلوس ساكنين (قلق).
- يغضبون بسهولة.
- يجدون صعوبة في التركيز.
- يقولون إنهم ليسوا جائعين، أو أنهم جائعون طوال الوقت.
- يرتجفون بكثرة.
- يرفضون الذهاب إلى المدرسة.
- يستخدمون الحمام كثيراً.
ما هي أسباب القلق عند الأطفال؟
بعض الأطفال حساسون بطبيعتهم وقد يجدون صعوبة في التعامل مع التغيير أو المشاعر القوية، وقد يكون لدى هؤلاء الأطفال ميل بيولوجي أو عائلي للقلق.
قد يتطور القلق أيضاً بعد أحداث الحياة المجهدة، ويمر بعض الأشخاص بالعديد من الأحداث المجهدة منذ سن مبكرة جداً مثل:
- وفاة شخص قريب منهم.
- الانتقال إلى منزل أو مدرسة جديدة، خاصةً إذا كانت هذه التحركات متكررة.
- صعوبة الحصول على ما يكفي من الطعام.
- صعوبة العثور على أماكن آمنة للعيش.
- صعوبة الحصول على تعليم منتظم.
- الوالدان اللذان يتشاجران أو يتجادلان أو الانفصال والطلاق.
- التنمر أو الإساءة أو الإهمال.
ما هو السبب الرئيسي للقلق عند الأطفال؟
من الصعب أن نقول على وجه اليقين ما هو السبب الرئيسي للقلق في مرحلة الطفولة، الخوف هو جزء طبيعي من النمو وبعض الأطفال يتعاملون معه بشكل جيد، ولكن بالنسبة للأطفال الذين يعانون من القلق الذي يتعارض مع حياتهم اليومية يُعتقد أن العوامل الوراثية والبيولوجية والتاريخ العائلي تلعب دوراً.
ما هي مضاعفات القلق عند الأطفال؟
الأطفال الذين يعانون من القلق معرضون لخطر متزايد للإصابة بالاكتئاب واضطرابات تعاطي المخدرات في وقت لاحق من حياتهم، قد يواجهون صعوبات في المدرسة أو في الذهاب إلى المدرسة كما أنهم معرضون لخطر الانتحار بشكل أكبر.
على الرغم من أن هذه الأمور مخيفة لكن المهم أن تتذكر أن العلاجات متاحة وفعالة في علاج الطفل وحمايته من المضاعفات المحتملة للقلق.
تشخيص القلق عند الأطفال
لتشخيص هذه الحالة سيتحدث مقدم الرعاية الصحية مع الأهل ومع الطفل، سيسأل عن سلوك الطفل وكيف يعبر عن قلقه ويجب البحث عن أي أعراض محتملة غير مباشرة قد تشير للقلق.
علاج القلق عند الأطفال
هناك طريقتان رئيسيتان لعلاج القلق عند الأطفال وهما العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الدوائي، قد يعمل كلا العلاجين بمفردهما لكن يبدو أنهما يعملان بشكل أفضل معاً.
يساعد العلاج السلوكي المعرفي الأطفال على تعلم مهارات التأقلم التي تساعد في تهدئة ردود أفعال الجسم والتفكير بشكل مختلف ومواجهة المخاوف والتحديات بخطوات أصغر.
قد يصف مقدم الرعاية الصحية للطفل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) مثل:
فلوكستين- باروكستين- سيرترالين.
وإذا لم تكن هذه الأدوية فعّالة أو مناسبة للطفل، فقد يصف الطبيب مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين والنورادرينالين (SNRI) مثل دولوكستين.
كيف أخلص طفلي من القلق ؟
لا يمكن للوالدين دائماً إدارة مسببات التوتر في حياة الطفل، ولكن يمكن المساعدة في تحسين صحته العقلية من خلال التأكد من حصوله على:
- ممارسة الرياضة يومياً.
- بيئة آمنة وداعمة في المنزل والمدرسة.
- النوم الكافي.
- وجبات متوازنة.
- تعليم الطفل تقنيات التأمل وتمارين التنفس لمساعدته على الاسترخاء.
المراجع:
Anxiety and Depression Association of America. Treatment
Child Mind Institute. Quick Guide to Generalized Anxiety Disorder (
Merck Manual (Professional Version). Overview of Anxiety Disorders in Children and Adolescents
National Health Service (U.K.). Anxiety Disorders in Children