الفصام هو اضطراب عقلي مزمن يتميز بتشوش في التفكير والانفصال عن الواقع وتغيرات في السلوك والمشاعر.

يُعد الفصام من الاضطرابات النفسية الكبرى التي تؤثر على قدرة الشخص على التفكير بوضوح وعلى قدرته على اتخاذ القرارات السليمة والحفاظ على علاقات اجتماعية طبيعية، ورغم أن الفصام لا يمكن علاجه تماماً إلا أن هناك طرقاً فعالة لإدارة الأعراض وتحسين نوعية حياة المرضى مع العلم أن هذا المرض يتطلب علاجاً طويل الأمد مع دعم مستمر من الأطباء والعائلة؛ وهذا ما سنتعرف عليه في هذه المقالة.

ما هو الفصام ؟

الفصام هو حالة نفسية لها تأثيرات شديدة على الصحة الجسدية والعقلية، فهو يعطل طريقة عمل الدماغ ويؤثر على الأفكار والذاكرة والحواس والسلوكيات، ونتيجة لذلك قد يعاني المريض في العديد من جوانب الحياة اليومية بما في ذلك العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية.

يعاني الأشخاص المصابون بالفصام من هلاوس (مثل سماع أصوات غير موجودة) أو أوهام (معتقدات خاطئة) مما يجعل التفاعل مع العالم المحيط بهم صعباً للغاية.

يبدأ الفصام بين سن 15 و25 عاماً للرجال وبين سن 25 و35 عاماً للنساء، كما يميل إلى التأثير على الرجال والنساء بأعداد متساوية.

الفصام عند الأطفال نادر ولكنه ممكن؛ وعندما يبدأ الفصام في مرحلة الطفولة يكون عادةً أكثر شدة وأصعب في العلاج.

ما هي أنواع الفصام ؟

ينقسم الفصام إلى عدة أنواع رئيسية وفقاً للأعراض التي تظهر على الشخص، تشمل أهم هذه الأنواع:

  1. الفصام المتميز (Paranoid Schizophrenia): يتميز هذا النوع بالأوهام والهلاوس التي غالباً ما تكون مرتبطة بالشكوك العميقة أو الخوف من الأذى من الآخرين، يكون الشخص في حالة توتر دائم ويشعر بالتهديد من البيئة المحيطة.
  2. الفصام اللاميّز (Disorganized Schizophrenia): يتسم هذا النوع بفقدان القدرة على تنظيم الأفكار والسلوك مما يؤدي إلى عجز في التواصل أو اتخاذ قرارات منطقية، يُظهر الشخص تصرفات غير متسقة وغالباً ما تكون مشوشة.
  3. الفصام الكاتاتوني (Catatonic Schizophrenia): يتميز هذا النوع بحركات جسدية غير طبيعية مثل الجمود أو الحركة المفرطة أو اتخاذ أوضاع غريبة، قد يُظهر المريض أيضاً عدم الاستجابة للمؤثرات الخارجية.
  4. الفصام غير المُميز (Undifferentiated Schizophrenia): يشمل هذا النوع مزيجاً من الأعراض التي لا تنطبق بشكل كامل على أي من الأنواع الأخرى، قد يكون هناك اضطراب في التفكير والسلوك ولكنه لا يتبع نمطاً محدداً.
  5. الفصام المتبقي (Residual Schizophrenia): في هذا النوع يعاني الشخص من أعراض الفصام السابقة، ولكن الأعراض الحادة قد تقل أو تنحسر مع بقاء بعض الأعراض الأقل حدة مثل العزلة الاجتماعية أو اللامبالاة.

ما هي أسباب الفصام ؟

لا توجد أسباب واضحة لفهم الفصام بشكل كامل، لكن هناك مجموعة من العوامل التي يعتقد أنها تلعب دوراً في تطوره:

  1. العوامل الوراثية: هناك أدلة على أن هذا المرض قد يكون موروثاً، حيث إذا كان أحد الوالدين أو الأقارب مصاباً بالفصام فإن احتمالية الإصابة تزيد.
  2. التغيرات الكيميائية في الدماغ: يعتقد أن اختلالات في المواد الكيميائية في الدماغ مثل الدوبامين والسيروتونين قد تساهم في حدوث الفصام، قد تؤثر هذه التغيرات على طريقة انتقال الإشارات بين خلايا الدماغ.
  3. العوامل البيئية: الإجهاد النفسي أو الصدمات الحياتية قد تلعب دوراً في تفجر المرض عند الأشخاص المهيئين وراثياً للإصابة بالفصام.
  4. التعرض للفيروسات أو السموم أثناء الحمل: بعض الدراسات تشير إلى أن تعرض الجنين لفيروسات أو سموم خلال فترة الحمل قد يساهم في زيادة خطر الإصابة بالفصام.
  5. المشاكل العصبية: التغيرات في الهيكل العصبي للدماغ مثل تضخم البطينات الدماغية قد ترتبط أيضاً بزيادة خطر الإصابة بالمرض.

ما هي أعراض الفصام ؟

لا يستطيع العديد من المصابين بالفصام إدراك أن لديهم أعراض المرض، لكن المحيطون قد يدركون ذلك، وتختلف أعراض هذا المرض من شخص لآخر لكنها غالباً ما تتضمن ثلاث فئات رئيسية:

  1. الأعراض الإيجابية:

  • الهلاوس: مثل سماع أصوات غير موجودة أو رؤية أشياء لا يمكن للآخرين رؤيتها.
  • الأوهام: معتقدات خاطئة مثل الاعتقاد بأن هناك مؤامرة ضد الشخص أو أنه لديه قوى خارقة.
  • التفكير غير المنظم: صعوبة في ترتيب الأفكار أو التواصل بوضوح.
  • السلوك غير العادي: التصرف بطرق غير مألوفة أو غريبة.
  1. الأعراض السلبية:

  • قلة الاهتمام: فقدان الحافز والاهتمام بالأشياء التي كانت ممتعة في الماضي.
  • التعثر العاطفي: قلة التعبير عن المشاعر أو الاستجابة العاطفية للأحداث.
  • العزلة الاجتماعية: تجنب التفاعل مع الآخرين.

تشمل الأعراض السلبية أيضاً الافتقار إلى الدافع خاصةً عندما لا يرغب المريض في الاختلاط بالآخرين أو القيام بالأشياء التي يستمتع بها عادةً.

  1. الأعراض المعرفية:

  • صعوبة في التركيز: فقدان القدرة على متابعة المهام أو اتخاذ القرارات.
  • ضعف الذاكرة قصيرة المدى: صعوبة في تذكر المعلومات اليومية.

ما هي مضاعفات الفصام؟

إذا لم يُعالج هذا المرض بشكل مناسب، فقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

  1. التدهور الوظيفي: قلة القدرة على العمل أو الدراسة بسبب تأثير المرض على التركيز والقدرة على الأداء.
  2. العزلة الاجتماعية: انسحاب من الأنشطة الاجتماعية مما يزيد من الوحدة والضغط النفسي.
  3. الأفكار الانتحارية أو إيذاء النفس: في الحالات الشديدة قد يعاني المريض من رغبات انتحارية نتيجة شعوره باليأس أو الانفصال عن الواقع.
  4. الإدمان: قد يلجأ بعض الأشخاص المصابين بالفصام إلى تعاطي المخدرات أو الكحول كطريقة للهروب من الواقع والأفكار.
  5. المشاكل الصحية العامة: قد يؤثر الفصام على الصحة البدنية أيضاً بسبب قلة العناية الذاتية أو استخدام الأدوية المضادة للفصام التي قد يكون لها آثار جانبية.

طرق التشخيص

يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تشخيص الفصام أو الاضطرابات المرتبطة به بناءً على مجموعة من الأسئلة التي يطرحونها أو الأعراض التي يصفها المريض أو من خلال مراقبة أفعاله، كما سيطرحون أسئلة لاستبعاد الأسباب المحتملة الأخرى لأعراض المريض.

وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، يتطلب تشخيص الفصام ما يلي:

  1. وجود اثنان على الأقل من الأعراض الخمسة الرئيسية.
  2. استمرار الأعراض لمدة شهر واحد على الأقل.
  3. تأثير الأعراض على القدرة على العمل أو العلاقات (الودية أو الرومانسية أو المهنية أو غير ذلك).

لا توجد أي اختبارات تشخيصية للفصام، ولكن قد يقوم مقدمو الرعاية الصحية بإجراء اختبارات لاستبعاد الحالات الأخرى قبل تشخيص الفصام وذلك عن طريق:

  1. التقييم السريري: يقيّم الطبيب النفسي الأعراض عن كثب من خلال المقابلات السريرية مع المريض وعائلته.
  2. استبعاد الأمراض الأخرى: يجب على الطبيب التأكد من أن الأعراض لا تعود إلى حالات طبية أخرى أو اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.
  3. الفحوصات المخبرية والتصوير: في بعض الحالات، قد يتم استخدام الفحوصات العصبية مثل الرنين المغناطيسي (MRI) لاستبعاد الأسباب الأخرى مثل الأورام أو إصابات الدماغ ومخطط كهربية الدماغ (EEG) لاستبعاد الصرع.

طرق علاج الفصام

لا يوجد علاج نهائي للفصام، لكن هناك طرقاً فعالة للتحكم في الأعراض:

  1. العلاج الدوائي: تستخدم مضادات الذهان لتقليل الأعراض الإيجابية مثل الهلاوس والأوهام، وتشمل هذه الأدوية الكلوزابين والريسبيريدون.
  2. العلاج النفسي:
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد المرضى على تحسين طريقة التفكير والتفاعل مع الأعراض.
  • العلاج الأسري: يقدم الدعم للعائلة لتفهّم حالة المريض وكيفية التعامل معها بشكل أفضل.
  1. العلاج بالصدمات الكهربائية (ECT): إذا لم تنجح العلاجات الأخرى، فيتم تطبيق هذا العلاج باستخدام تيار كهربائي يتم تطبيقه على فروة الرأس والذي يحفز بعد ذلك أجزاء معينة من الدماغ ويتسبب التحفيز في حدوث نوبة قصيرة والتي يمكن أن تساعد في تحسين وظائف المخ.
  2. التأهيل الاجتماعي والوظيفي: وذلك عن طريق دعم المرضى في العودة إلى العمل أو الدراسة وتحسين مهارات التواصل الاجتماعي.
  3. الاستشارة والدعم الجماعي: تقدم مجموعات الدعم مساعدة نفسية واجتماعية للمصابين بالفصام وأسرهم للتعامل مع التحديات اليومية وتحسين نمط الحياة.

الفصام هو اضطراب نفسي معقد يتطلب تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً مستمراً، ورغم عدم وجود علاج شافٍ للفصام فإن العلاج المبكر والمتابعة المناسبة يمكن أن تساعد في تحسين الأعراض وجودة الحياة.

 

المراجع

National Alliance on Mental Illness. Schizophrenia

National Institute of Mental Health (U.S.). Recovery After an Initial Schizophrenia Episode (RAISE) Questions and Answers